دار العلوم

دار العلوم

و لما أدرك القائمون على ندوة العلماء أن العصر المعاصر يطلب من العالم الديني ثقافة أوسع، وأسلوبًا للدعوة أرقى وأقرب إلى نفسية هذا العصر، واطلاعًا على ما تجدَّد من العلوم والأفكار، والمسائل والحاجات، وأن هذا الغرض لا يتمّ إلا بإنشاء مدرسة مثالية، فأسسوا مدرسة مثالية باسم "دار العلوم" في لكناؤ عاصمة الولاية الشمالية عام 1315هـ، المصادف 1898م، خرَّجت علماء، كانوا ملتقى للثقافتين؛ الدينية والعصرية، وبرزخًا بين الطائفتين: علماء الدين، والمثقفين العصريين، وقد تبحروا في الثقافتين، وأحسنوا هضمهما، وكوَّنوا من هذه المواد رحيقًا صافيًا نافعًا كما تعمل النحلة من الأزهار والأشجار، ووضع أساسها على مبدأ الجمع بين الدين الخالد الذي لا يتغير، وبين العلم النامي الذي لا يتحجر، بين صلابة الحديد في الثبات على العقيدة، وبين نعومة الحرير في اقتباس العلوم النافعة، وهدفها تخريج علماء دينيين، يكونون مطلعين على الأبحاث الجديدة والعلوم العصرية المفيدة مع براعتهم ورسوخهم في العلوم الدينية الأساسية ليقدموا حلولاً للمعضلات الحديثة، وليردوا على الشبهات ردًّا عليمًا مؤسَّسًا على الدراسة والتحقيق، فبينما العالم الديني في عقيدته وعبادته جبل ثابت، إذا هو في علمه ودراسته وتقدمه نهر عذب جار، وبينما هو في نصوص الدين وعزائمه مرابط على الثغر وحارس للأمانة إذا هو في تفهمه ودعوته جندي مهاجم ومسلح على أحدث طراز، وبينما هو في الأول لا يعرف الهوادة إذا هو في الثاني لا يعرف الجمود

كانت الحاجة إلى إصلاح النظام التعليمي والتربوي السائد في البلاد وتطويره حسب مقتضيات الحياة الإسلامية الراهنة، وصياغته صياغة جديدة لتتفق مع حاجة الحياة الإسلامية المعاصرة، لأن وسائل التعليم والتربية التي ورثها الجيل الإسلامي الحديث لم تكن في المستوى اللائق لموجهة تحديات الفكر الغربي والحياة المدنية المعاصرة، فتباحث رجال ندوة العلماء مع المعنيين بالتعليم الإسلامي، وخبراء التعليم والتربية، وأجروا في مناهج التعليم تعديلاً يتفق مع حاجة الإسلام والدين في الظروف المتجددة الحديثة، وذلك بالمحافظة على القيم القديمة الصالحة والاستفادة من التجارب الجديدة النافعة، وأعدوا منهجًا دراسيًا متزنًا جامعًا، وجعلوا دراسة اللغة العربية والأدب أهم عناصر هذا المنهج الدراسي بجانب دراسة علوم القرآن والحديث، والعناية بألفاظ القرآن والتذوق به، ودراسة الحديث بدون تقيُّد بأي مذهب، لينشأ في دارسيه النبوغ والبراعة والرسوخ في العلوم الدينية، والقدرة الفائقة على اللغة العربية كتابة وخطابة، والاطلاع على الأدب العربي مع التعرُّف على آداب اللغة الأخرى، والاطلاع على العلوم الجديدة حسب التطورات الحديثة والتقلبات الفكرية

وأدى العلامة شبلي النعماني دورًا رائدًا في إيجاد اتجاه البحث والتحقيق والذوق العلمي في الطلبة، كما أسهم العلامة عبد الحي الحسني، والعلامة حبيب الرحمن خان الشيرواني، والعلامة السيد سليمان الندوي، وكبار العلماء المسلمين إسهامًا غاليًا بارزًا في النهوض بندوة العلماء علميًا،واستعانت ندوة العلماء بخدمات العلماء والباحثين والمفكرين في العالم الإسلامي عامة والعالم العربي خاصة، لتزويد الطلبة بمعلومات علمية عن طريق تنظيم محاضرات، وعقد ندوات، ولقاء ات

وحيث إن ندوة العلماء تضع نصب عينها الظروف المتغيرة، وتؤمن بالتطور في العلم والأدب والنمو في القريحة فإنها لا تعتبر منهجًا دراسيًا، منهجًا دائمًا غير قابل للتغير، فيمر نظام التعليم فيها بالتغيير والتعديل حينًا لآخر. واهتمت ندوة العلماء بإعداد مواد دراسية تسد حاجة العصر، وتلائم الذوق الأدبي المتطور، من المرحلة البدائية إلى المرحلة العليا، فنالت الكتب الدراسية التي أعدها الندويون القبول العام، وأدرجت في المقررات الدراسية في الجامعات والكليات العصرية، بجانب مئات من المدارس الدينية التي قبلت التطور في المنهج الدراسي

تعارف دار العلوم ندوۃ العلماء لکھنؤ | About Darul Uloom Nadwatul Ulema Lucknow India